التعليقات الزكية على العقيدة الواسطية الجزء الثاني
إثبات صفة الاستواء على العرش وصفة علو الله على خلقه ومعيته لخلقه ووجوب الإيمان بذلك وأنه لا تنافي بينها
[ فصل: وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله، وأجمع عليه سلف الأمة؛ من أنه سبحانه فوق سمواته على عرشه، عَلِيٌّ على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون؛ كما جمع بين ذلك في قوله: رسم> هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ قرآن>
رسم> [ الحديد: 4 ]. آية>
وليس معنى قوله: ( وَهُوَ مَعَكُم ) أنه مختلط بالخلق؛ فإن هذا لا توجبه اللغة، وهو خلاف ما أجمع عليه سلف الأمة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء ، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان.
وهو سبحانه فوق عرشه، رقيب على خلقه، مهيمن عليهم، مطلع عليه... إلى غير ذلك من معاني ربوبيته.
وكل هذا الكلام الذي ذكره الله- من أنه فوق العرش وأنه معنا- حق على حقيقته ، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة؛ مثل أن يظن أن ظاهر قوله: (في السماء) ؛ أن السماء تظله أو تقله، وهذا باطل بإجماع أهل العلم والإيمان ؛ فإن الله قد وسع كرسيه السماوات والأرض، وهو يمسك السماوات والأرض أن تزولا ، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره ] .
ومما يتعلق بصفات الله وبالإيمان بالله، الإيمان بأنه تعالى هو العَلِيُّ الأعلى بجميع أنواع العلو، وأنه سبحانه على عرشه فوق سمواته، وفوق عباده رأس>
وكما أخبر بذلك في قوله : رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
ثم يؤمنون- أيضا مع إيمانهم بأنه فوقهم فوقية حقيقية- بقربه وأنه لا ينافي علوه وفوقيته قربه ومعيته، بل هو قريب من عباده، كما في قوله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وجمع الله بينهما في هذه الآية في سورة الحديد حيث يقول تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
* وقوله: (وليس معنى قوله: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
والمعية كما تقدم قسمان:
الأولى: معية علم واطلاع وهيمنة ومراقبة، فهذه معية عامة.
الثانية: معية حماية وحفظ وكلاءة، فهذه معية خاصة.
وقد ذكر الله الأولى في هذه الآية : رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وذكر الخاصة في قوله تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فنؤمن بأن الله مع كونه عليا فوق عباده ، فإنه يراهم ويطلع عليهم، ولا تخفى عليه منهم خافية، ولا نقول: إنه مختلط بهم، وإنه في كل مكان بذاته، ولا أن جميع الأمكنة بالنسبة إليه سواء، ونحو ذلك، فإن هذا خلاف ما تقتضيه اللغة.
فالمعية لا تستلزم هذا، وهو أيضًا خلاف ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق، فالخلق فطروا على أن ربهم من فوقهم: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
* وقوله: (بل القمر آية من آيات الله من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان وهو سبحانه فوق عرشه، رقيب على خلقه، مهيمن مطلع عليهم...):
ضرب المصنف رحمه الله مثلا بالقمر؛ لبيان علو الله على خلقه ومعيته لهم؛ فالقمر آية من آيات الله، وهو من أصغر مخلوقاته، وهو موضوع في السماء، وهو مع المسافر وغير المسافر أينما كان، تقول العرب: ما زلنا نسير والقمر معنا، معلوم أن القمر مُركب في فلكه، ولكن كونه معهم أي أنهم يرونه ويسيرون في ضوئه وفي نوره، فكأنه معهم، فالله تعالى مطلع على عباده، فهو معهم بعلمه وباطلاعه وبهيمنته وبرؤيته، وإن كان فوقهم بذاته.
فهذه الآيات تجرى على ظواهرها، وتُصان عن الظنون الكاذبة مثل ظن الظان أن قوله: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
وقال تعالى: رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
فإذن نحن نعلم أنه تعالى فوق سمواته، وأنه مع ذلك مطلع على خلقه، مهيمن عليهم، مراقب لهم، قريب منهم، لا تخفى عليه منهم خافية؛ وذلك لأنهم خلقه، وجميع المخلوقات كلها حقيرة وصغيرة بالنسبة إلى عظمته، وهو يقبض السماوات كما يشاء، رسم>
![](/images/b2.gif)
![](/images/b1.gif)
![أخرجه الطبري في تفسيره عند قول الله تعالى: </رسم> وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ </رسم> <Taya> [ سورة الزمر، الآية: 67] </Taya> رقم (30212).](/site/books.png)
فإذا كان هذا مقدار هذه المخلوقات، دل ذلك على عظمة الخالق فكيف يكون محتاجا إلى هذه الأفلاك، أو أنها تحمله أو تقله أو تظله؟!.
فالحاصل أننا نؤمن بعلو الله، وبفوقيته، وبعظمته أينما كان، وباستغنائه عن العرش وعما دون العرش، والعبد إذا آمن بعظمة الله وقدرته وعلوه وفوقيته أورثه ذلك فائدة عظيمة وهي تعظيمه والخوف منه، فإنه متى عظم قدر ربه في قلبه خافه أشد الخوف، وراقبه واستحضر أنه يراه في كل وقت، فحمى نفسه عن أن يقدم على معصيته؛ لأنه يراه، فيقول: كيف أقدم على معصيته وهو يراني؟ كيف أترك ما نهاني عنه ؟ كيف أترك ما أمرني به؟ هذا من ثمرات الإيمان بهذه الصفات.
مسألة>